12 - 05 - 2025

عاصفة بوح| لساها ثورة

عاصفة بوح| لساها ثورة

مازال يوم اندلاعها يخفيهم.. فيتربصون بها وينكلون بمن لم يكفر بها ويجعلوهم امثولة  وعبرة بالملاحقة وتلفيق الفضايا والتعسف بالاحكام فى حدها الاقصى، بل لأول مرة نرى بعض القضاة يعلنون عن انحيازتهم تجاة ناشطيها.. دون أن يستشعروا الحرج لتعارض الافكار والمصالح والانتماءات، فما بين رجال مبارك والثورة تار بايت.. فلقد كشفت عوراتهم بمفاسدهم الأخلاقية، ناهيك عن السياسية ونهبهم الاقتصادى لثروات مصر التى قسمت بين  الأنساب  وأصحاب الحظوة والمصالح، فكانت الثورة  نار جهنم التى هددت ترف معيشتهم  ونشوة سلطاتهم المطلقة،  فكان الانتقام على قدر الفقد و الخسارة. 

أما إعلامهم الذى تم فضحه و كشف عورته المهنية قبل الاخلاقية، هو الآخر كانت له حساباته بعدما تعرت أجسادهم أمام العامة بنشر ملفاتهم فى امن الدولة، وعرفنا كما من الفساد والخديعة والأدوار التى امروا بلعبها لتغييب الشعب وتبرير ما لا يبرر من قبل حكامها الفاسدين. 

 وظف النظامان السابقان السادات ومبارك الإسلام السياسى لتأمين حكمهم وكان من نتائجه نشر الوهابية السلفية والتى غيرت من البنية الثقافية والدينية فى مصر، وكانت نتيجتها انتشار الافكار المتشددة وهي النواة الاساسية لظهور الإرهاب الدينى والسياسى فى مصر والذي ندفع أثمانه حتى اليوم، وللأسف كانوا كعب أخيل، سرقوا من خلالها الثورة وكانوا السبب فى ضياعها!!

أخطر مايخيف من يناير هو أن الشعب كسر جدار الخوف وحقق شعار الشعب يريد، واستجابوا له لفترة التقية السياسية ليحدوا من اندفاع الموجة الثورية بسجن كثير من رموز مبارك معه، حتى يهدأ الشعب، ثم اكتشفنا بعد ذلك أنه كان لحمايتهم منهم، حتى ياتى مهرجان البراءة للجميع بعد اختطاف الثورة والانقلاب عليها من الدولة العميقة.

درس استعوبناه متاخرا بعد التنكيل بشباب الثورة وبعد سقوط الأقنعة واعتبار الثورة غلطة أمنية وقع فيها مبارك لا يجب ان تتكرر، وذلك يفسر الضربات الأمنية لكل من يؤازر الثورة ولو بالكتابة، فهم لن يتركوا شاردة ولا واردة لاقل احتمال لتكررها، ونسوا أن تحقيق أهدافها وعدم تكرار مفاسد النظام القديم هو الضمانة الوحيدة لعدم انفجار الناس مرة اخرى!

شعار الشعب يريد هو أيضا ما أخاف أعداءها، فالحكام العرب لم يتعودوا إلا عما يريدونه هم  فأحلامهم أوامر وشعوبهم رعايا يعيشون على فيض كرمهم وحريتهم، بما يجودون بها، أما مواد الدستور فهى للتفاخر الخارجى ليس إلا، فلم يكن يسمح بنجاح تلاحم الأمة فى مواجهة الفاسد والديكتاتور والانتصار عليه وإلا بماذا سيحكمون ويسيطرون ومن يحميهم من تكرار  الثورة إذا ما انحرفوا عن العدل والحرية!

أما إعلانهم ليلا ونهارا أنها مؤامرة، اشترك فيها حتى دود الأرض، لأنهم يعرفون يقينا قبل أى أحد آخر، أنها ليست مؤامرة إنما ثورة شعبية علَّم فيها الشعب على النظام وأطاح برئيس وأذاقهم ذل السجون ونزع ورقة التوت عن عوارتهم الاقتصادية  قبل السياسية، فكان لابد من هزيمتها وينسون أن الثورة فكرة لها أجنحة تطير بها نحو المستقبل وما عجز عن تحقيقه اليوم تأتى أجيال عاصرت الثورة ونجاحها المؤقت، ولم يتربوا فى ظل العبودية إنما بدأوا حياتهم على مظاهرات الحرية والشعب يريد، ورأوا بأعينهم سقوط ما كان يحسبون أنفسهم آلهة، وتعلموا من أخطاء ثورة أشقائهم وآباءهم، وعرفوا أن الحرية لا تمنح وإنما تؤخذ بالثورات إذا ما عاندها المستبدون.   

 ومازال أكثر مايخيفهم أن يناير حاضرة فى النفوس لن يهدىء من روعها إلا تحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة بشدة فى سياسات النظام، فهذا السبب وحده كفيل بتكرارها، فبعيدا عن السياسة وألاعيبها، والحرية التى ضحوا بها خطأ من أجل الأمان والاستقرار والتهديد بمصائر دول مجاورة، تبقى لقمة العيش والكرامة التى تصاحبها والحرية التى يتنفسون بها، هى مطالب إنسانية لن يستطيعوا العيش بدونها مهما بلغ القمع والتخويف!

وتعيش ثورة يناير والمجد لشهدائها والحرية لمعتقليها وتعيش مصر حرة ومستقلة!! 

        

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة